في آخر عروض الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية لمهرجان العيون للفيلم الوثائقي حول الثقافة والتاريخ والمجال الصحراوي الحساني، تم يوم السبت 24 دجنبر 2022، بقاعة العروض بقصر المؤتمرات، عرض فيلم "نساء يصنعن الصحراء" للمخرج رشيد زاكي.
يتساءل المخرج من خلال هذا الشريط عن طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمع الصحراوي الحساني، وللإجابة عن هذا السؤال، ينطلق زاكي في رحلة إلى عدد من المدن في الأقاليم الجنوبية للمملكة، للقاء نساء صحراويات متألقات في مجال عملهن، سواء في مجال الصحافة أو في السياحة أو غيرها من المجالات الأخرى.
وخلال سلسلة اللقاءات التي أجراها المخرج، وصل إلى حقيقة أن المرأة في المجتمع الصحراوي الحساني، مجتمع البيظان، تحظى بمكانة متميزة، وأن نوع العلاقة التي تجمعها بالرجل تنبني أساسا على الاحترام والتقدير وتوزيع المسؤوليات فيما بينهم.
فللمرأة عند المجتمع الصحراوي، مكانة قل نظيرها في المجتمعات العربية، والتي تنعت بكونها مجتمعات ذكورية، وقد تجلت هذه المكانة في الأمثال الشعبية الحسانية وفي الشعر والموسيقى التي تتغنى بالمرأة الصحراوية، كونها صاحبة القرار في المجتمع وسيدته.
وترجع هذه المكانة إلى تقليدية المجتمع الصحراوي الذي يقدس العلاقات الإنسانية خاصة تجاه المرأة، وهو ما أعطى لهذه الأخيرة فرصة لإبراز ذاتها وتألقها، كما جاء في الشهادات والحالات التي عرضها الشريط.
من جهته أكد المخرج رشيد زاكي، أن هذا الفيلم الذي وصفه بالهجين، إذ يجمع بين البعد الروائي والوثائقي والربورتاج أيضا، أن فريق عمله نجح في إخراج هذا الشريط إلى الوجود رغم الصعوبات المرتبطة بالتصوير خلال جائحة كورونا. مضيفا أن فيلم "نساء يصنعن الصحراء" هو تكريم للمرأة المغربية عامة وللمرأة الصحراوية على وجه الخصوص.
هو مصور وثائقي"أمودو" الشهير الذي نزع بذلة التصوير وارتدى قبعة الإخراج في فيلمه " "طريك البريان" الذي يشارك في الدورة السادسة من مهرجان الفيلم الوثائقي بمدينة العيون، مخرج الأفلام الوثائقية مبارك لركو يحكي لنا قصة الفيلم، و ما هي الرسالة التي يريد إيصالها للجمهور ؟ وكيف تم النسج بين التقاليد الحسانية وطب الأعشاب ؟، وهذا نص الحوار كاملا.
حدثنا عن مشاركتك بمهرجان العيون للفيلم الوثائقي ؟
هذه أول مشاركة لي بالعيون، وقد أخذت الثقة بسبب خبرتي في مجال إخراج الأفلام الوثائقية، إذ عملت سابقا في تصوير وثائقي "أمودو" الذي كسب شهرة كبيرة، كما أنني أنجذب كثير لعالم الأركيولوجيا، وقد تلقيت عرضا لإخراج فيلم حول الطب البديل، وبعد قراءتي للسيناريو، لم أتردد في قبوله والغوص في هاته التجربة الجديدة.
قبل الحديث عن قصة الفيلم، ما دلالة عنوانه "طريك البريان" ؟
"طريك البريان" تعني طريق الشفاء، وهي عبارة مستوحاة من اللهجة الحسانية، واخترناها للدلالة على المراحل التي يقطعها المريض من أجل المثول للشفاء، عند لجوئه للطب البديل التقليدي، الذي أردنا إخراجه من دائرة الصور النمطية القديمة ومحاولة تقديمه في قالب حداثي وعصري، خاصة مع انتشار عدد كبير من محلات الطب التقليدي العصري بمدن المملكة.
ما هي أهم محاور قصة فيلم " طريك البريان" ؟
القصة تتناول البيئة الصحراوية التي تجود بعدد كبير من الأعشاب الطبية، التي يستغلها سكان الصحراء، خاصة الرحل الذين لا يلجئون عادة للتطبيب بالوسائل الطبية الحديثة، إذ عادة ما يستعملون ما توفره لهم الطبيعة من أعشاب ونباتات طبية لمعالجة أمراضهم، كنبتة "الشيح" و"الكمشة" و"الكمونة"، وهي نباتات طبية نادرة لا توجد في مناطق أخرى من العالم، تستعمل لعلاج عدد كبير من الأمراض، أو لتخفيف حدة الألم ريثما يصلون لمستشفيات المدينة. الفيلم أبرز كذلك أن الأعشاب الطبية لا يقتصر استخدامها فقط لدى الرحل بل أيضا تستعمل من قبل سكان المناطق الحضرية، باختصار الفيلم يسعى لإيصال رسالة مفادها أن " الطب التقليدي يمكن أن يساير الطب الحديث...".
ما السر وراء إسناد دور البطولة لفتاة ، هل أردت إبراز دور النساء في طب الأعشاب المعاصر ؟
تماما، لقد أردت من خلال هذا الدور أن أنقل فكرة مهمة وهي أن تجارة الأعشاب الطبية التقليدية هو مجال "تحتكره" النساء في مناطق الصحراء، فهذا الاحتكار يمكن أن يستمر ويتخذ أشكالا عصرية وجديدة، إذ انتقلت الفتاة من دكان أمها التقليدي إلى محل تجاري عصري في المدينة.
ما هو الجديد الذي تشتغل عليه الأن ؟
أعمل حاليا على فيلم يتناول تاريخ الصحراء من الزاوية العلمية، وهو عمل جديد أطمح لأن أكون أول من يقدم على الاشتغال فيه، لأن التاريخ العلمي للصحراء المغربية مجال شاسع وبه أشياء نادرة ومثيرة، وأنا متحمس لإنهائه وتقديمه للجمهور في النسخة القادمة من مهرجان العيون للفيلم الوثائقي.
وسط حضور غفير، عرض مساء السبت 24/12/2022، وثائقي "مارادونا الصحراء"، لمخرجته أمينة الشادي، الذي يحكي قصة عشق لكرة القدم ليست كباقي القصص.
يلقبونها بـ"امعيجينة"، وهي امرأة أربعينية تعشق كرة القدم منذ صغرها، تحدت نظرات المجتمع المحافظ بمدينة السمارة، ومارست لعبتها المفضلة بجانب ذكور المدينة، قبل أن تتوجه لتشكيل أول فريق نسائي بالسمارة، وهو الفريق الذي فاز بعديد من البطولات وصال وجال مناطق عديدة من المغرب قبل أن يتوقف لاعتزال عناصره.
وبعد أن توقف فريقها النسوي لجأت "امعيجينة" لتدريب فتيات المدينة على ممارسة كرة القدم وتأسيس مركز خاص بكرة القدم النسوية والذي استفاد من دعم بلدية المدينة، وهو ما تأمل منه "امعيجينة" أن يعيد فريق المدينة النسوي القديم للواجهة وأن يمارس من جديد ويقارع الفرق الأخرى بمختلف مناطق المغرب.
امعيجينة أحمادة وهي بطلة الفيلم قالت إن " ساكنة مدينة السمارة يلقبونني بـ "مارادونا الصحراء" بسبب مهاراتي الكبيرة في ممارسة الكرة والتي تعد أمرا نادرا بالنسبة للنساء في مدينة محافظة كهذه"، مضيفة: " لم أستسلم لنظرات المجتمع وقررت خوض التحدي ولعب كرة القدم بجانب أبناء الحي الذكور، مما أكسبني شهرة كبيرة بالمدينة للتحول نظرات الريبة بالأمس إلى تقدير واحترام من قبل الجميع".
وأضافت بطلة الفيلم، قائلة " عندما تم عرض فكرة تصوير الفيلم الوثائقي "مارادونا الصحراء" لأول مرة علي، شعرت بسعادة كبيرة لأن توثيق قصتي قد يعطي جرعة من الثقة لباقي نساء المنطقة، اللائي يردن ممارسة كرة القدم دون أي قيود".
في إطار المسابقة الرسمية لمهرجان العيون للفيلم الوثائقي حول الثقافة والتاريخ والمجال الصحراوي الحساني، شهد قصر المؤتمرات بالمدينة، يوم السبت 24 دجنبر 2022، عرض الفيلم الوثائقي الروائي "لغن وأزوان، شعر وموسيقى الصحراء" للمخرج عصام دوخو.
يتناول الفيلم موضوع الشعر والموسيقى الصحراوية، في ارتباطهما بالأرض، وتحديدا "أرض البيظان"، وفي امتداداتهما الجغرافية من موريتانيا إلى المناطق الواقعة في الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية، ثم القواعد والبنيات والتطورات التي شهدها الشعر الحساني أو"لغن".
كما يستعرض هذا الشريط الوثائقي الروائي، التطورات التي طرأت على الموسيقى الحسانية، كمزيج بين الموسيقى العربية الأصيلة والإفريقية، والذي يتجلى في المزاوجة ما بين الآلات الموسيقية التقليدية والعصرية كالطبل والكدرة والتيدنيت وغيرها، وفق نظام صوتي يعرف ب"أزوان".
ولم يغفل الفيلم، عن تسليط الضوء على الارتباط الوثيق بين الشعر والموسيقى، فكل مقام موسيقي ينبني على بحور خاصة من الشعر الحساني، إضافة إلى رمزية الرقص الحساني وأنواع الرقصات في الثقافة الغنائية الحسانية.
حاول المخرج في هذا العمل، إبراز مكانة الشعر والموسيقى الحسانية، كتراث غنائي له مكانته المتميزة في التراث الفني المغربي والعالمي أيضا، وقد أثار موضوع الشعر والموسيقى والرقص الحساني، عددا من الباحثين والأنثربولوجيين الذين أصدروا في هذا الإطار، أبحاث ودراسات تتبع الجذور التاريخية والثقافية لهذا التراث الشعبي الذي يعكس التنوع الثقافي والفني الذي يزخر به المغرب.
" كتابة سيناريو الفيلم الوثائقي حول الثقافة والتاريخ والمجال الصحراوي الحساني"، هو عنوان الندوة المنظمة ضمن أنشطة الدورة السادسة لمهرجان العيون للفيلم الوثائقي يوم السبت 24/12/2022 بقصر المؤتمرات.
خلال مداخلته بالندوة، قال الكاتب والناقد السينمائي، خالد الخضري، إن " السيناريو يعد العمود الفقري للفيلم الوثائقي، والذي يحتكم لمجموعة من الضوابط التقنية أهمها الكتابة للصورة، وإدخال الجانب الإبداعي الذي يعتبر عنصرا مهما من أجل إنجاح العمل وكسب إعجاب المشاهد".
وأضاف الخضري ، أن سيناريو الفيلم الوثائقي المعتمد على الجانب الروائي لا يحقق نجاحا لأن الوثائقي يبنى على معطيات موضوعية وميدانية لا تقبل الزيادة أو النقصان، وهو عكس ما نجده في الفيلم السينمائي إذ يغير السيناريو من الديكور من واقعية المكان المصور والشخصيات.
من جانبه أشارعامر الشرقي، الكاتب العام للغرفة المغربية لصناع الفيلم الوثائقي، إلى وجود خلل في التعامل السليم مع كتابة السيناريو في الوسط السينمائي المغربي، واستسهال كبير مع هذا الجنس، إذ يتم إقصاؤه من عالم السينما ويتم تصوير أحداثه بشكل عرضي دون إدخال عناصر إبداعية وسردية تغري المتلقي.
وأردف المتحدث ذاته، أن كتابة السيناريو بالمغرب في حاجة ماسة إلى تحديد زوايا معالجة جديدة، خاصة وأن المواضيع المصورة توفر فضاءات طبيعية وبشرية جد غنية، مضيفا: أن كاتب سيناريو الفيلم الوثائقي ملزم بالانتباه للمعطى التاريخي تجنبا للوقوع في أخطاء قد تكلف سمعة الفيلم وجميع المشاركين فيه.
وفي السياق ذاته قال المخرج وكاتب السيناريو والعضو بلجنة دعم إنتاج الأعمال السينمائية ومسير الندوة، سيدي محمد فاضل الجماني، إن " السيناريو التوثيقي لابد أن ينضبط لمعايير الكتابة للصورة، وأن يتجنب السرد المسترسل، مؤكدا أن كتابة السيناريو الخاصة بالفيلم الحساني صعبة ومعقدة لأنها تتطرق لثقافة تقل فيها الكتابات والوثائق والمصادر.
أكدت المخرجة والمنتجة السينمائية، مريم أيت بلحسين، التي تشارك في الدورة السادسة لمهرجان العيون للفيلم الوثائقي بفيلمها "الأمير الصغير، حكمة الرمال"، أن العملين الإعلامي والسينمائي، يساهمان بشكل كبير في بناء الإنسان ونشر القيم في المجتمع، وبالتالي في البناء الاجتماعي والتنشئة الاجتماعية ككل. وأضافت المخرجة المراكشية، في حوار أجريناه معها، أن الإعلام والسينما، يساهمان في هذا البناء، عن طريق الأفكار والقيم الاجتماعية التي ينشرانها داخل المجتمع .
وهذا نص الحوار كاملا:
بداية، تشاركين في الدورة السادسة لمهرجان العيون للفيلم الوثائقي حول الثقافة والتاريخ والمجال الصحراوي الحساني، بفيلم "الأمير الصغير، حكمة الرمال" حدثينا قليلا عن هذا العمل؟
هذا الفيلم جاء كقصة لمدينة طرفاية، في صورة ما عاشه "سانت إكزوبيري"، عندما التقى في خياله بطفل صغير "الأمير الصغير"، وهو وسط رمال مدينة طرفاية. ومن خلال ذلك الطفل اكتشف "إكزوبيري"، حكمة الوجود وسمو الروح الإنسانية بعيدا عن الماديات التي تُفرض علينا اجتماعيا.
تجسد هذه القصة واقعا معاشا لكل من يزور مدينة طرفاية والأقاليم الجنوبية، حيث يحس في الصحراء بالهدوء النفسي والسمو الروحي الذي يسمح له بالنظر إلى العالم نظرة مغايرة، ربما نظرة طفولية، ولكنها أقرب إلى حقيقة الإنسان. كما يحتفي هذا الفيلم بتاريخ طرفاية، كتاريخ للمغرب ككل، إذ أن محطات تطور هذه المدينة تاريخيا، هي في كل محطة منها، تكون دائما مرتبطة بوقائع أخرى يعيشها المغرب ككل.
يتناول الفيلم، صيرورة المراحل والأحداث التاريخية في الأقاليم الجنوبية للمغرب، بدء بالأطماع الاستعمارية البرتغالية والإنجليزية ثم الإسبانية، وصولا إلى إبراز قوة الالتحام بين المغاربة والسلطان، لمواجهة الأطماع الدبلوماسية الموازية مجسدة في "بعثة ماكينزي". دون أن ننسى رمزية مدينة طرفاية، كونها كانت المحطة التي تجمع فيها المشاركون في المسيرة الخضراء سنة 1975، ليكملوا بعدها، مسيرتهم نحو عمق الصحراء المغربية لتحريرها من الاستعمار الأجنبي.
هل يلقى الفيلم الوثائقي اليوم، إقبالا من طرف الجمهور ومن طرف المنتجين أيضا؟
للفيلم الوثائقي جمهوره، وهناك الكثيرون ممن يفضلونه على الفيلم الروائي، نظرا لطبيعة الحكي في هذا النوع السينمائي، ولمدته الزمنية أيضا، ومجموعة من المقومات الأخرى التي تجعل شريحة مهمة من الناس، تقبل على الفيلم الوثائقي.
أما بالنسبة للمنتجين، هناك أيضا منتجين يهتمون بهذا النوع، لأنهم يؤمنون بالفكرة وبالإنسان، أضف إلى ذلك، أن الفيلم الوثائقي أقل كلفة من الفيلم الروائي، لأن إنتاجه لا يتطلب طاقما كبيرا.
في نظركم، هل الهاجس الربحي ضروري لاستمرار الصناعة السينمائية؟
في الحقيقة فإن الربح هو الميزان الذي نقيس به مشاهدة الفيلم من طرف الجمهور وبالتالي الصناعة السينمائية ككل، لكن بالنسبة للمنتج، فالربح التجاري ضروري لاستمرار الإنتاج السينمائي، وإلا فالمنتج الذي لا يربح، لن يستمر في الإنتاج، وسيذهب إلى الاستثمار في نوع آخر من الصناعة غير الصناعة السينمائية والثقافية.
أما بالنسبة للدولة والجهات الوصية على القطاع، فإنها لا تستثمر الأموال لكي تربح، وإنما للتأسيس لسياسية ثقافية وسينمائية تأخذ بعين الاعتبار المقومات المتكاملة والمترابطة، في بناء العنصر البشري في المجتمع.
أنت مخرجة ومنتجة سينمائية، وأستاذة أيضا بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، ما هي التقاطعات بين الحقلين الإعلامي والسينمائي؟
الإعلام هو أحد أهم حلقات سلسلة العمل السينمائي والعمل الثقافي عموما، فهو، إلى جانب جمعيات المجتمع المدني، يساهم في "دينامية العمل السينمائي" عن طريق الكتابات النقدية التي تساهم في تجويد الإنتاج السينمائي. قس على ذلك، فكل عمل إعلامي أو سينمائي، يجتمعان في بناء الإنسان والمجتمع. وذلك عن طريق الأفكار والقيم التي ينشرانها داخل المجتمعات، سواء بالاستعانة بالصور أو الرموز أو اللغة، وهذه الأفكار والقيم هي التي يقوم عليها البناء الاجتماعي والتنشئة الاجتماعية للإنسان، ذلك أن الصناعة الثقافية، وجدت من أجل المجتمع وفي خدمة المجتمع.
شارك المخرج محمد مروان كمال، في المسابقة الرسمية لمهرجان العيون للفيلم الوثائقي حول الثقافة والتاريخ والمجال الصحراوي الحساني، بفيلم "البلوح" الذي يتمحور حول الصور النمطية للجسد الأنثوي وتمثلاته الاجتماعية في مجتمع بني حسان الممتد من منطقة واد نون بالمغرب إلى منطقة أزواد بمالي.
الفيلم الذي يمتد لأكثر من ساعة من الزمن، يحكي قصة امرأة صحراوية تخلى عنها خطيبها بداعي الرشاقة، واشترط عليها أن تتسمن لكي يتزوجها، وهو ما رفضته بالمطلق. لتقرر بعدها إجراء بحث انطلق بسؤال الرجال عن سبب تفضيلهم للمرأة المكتنزة، أو "المبلحة" في اللهجة الحسانية، إذ يعني "البلوح" حسب ذات اللهجة: التسمين.
لم تكن إجابات الرجال شافية لفضول الباحثة، فقررت البحث عن نساء في التسمين التقليدي والعصري، لسؤالهن عن عملهن وعن طبيعة الوصفات التي تقدمن لزبوناتهن وعن أمور أخرى متعلقة بهذه العملية، كما يرصد الفيلم بالصوت والصورة جميع المراحل التي تمر منها عملية التسمين.
تكتشف الباحثة في الأخير، أن "البلوح" في بعض السياقات الاجتماعية والثقافية التي تناولها الفيلم، هو السبيل إلى تجنب العنوسة، وأن المرأة المكتنزة في هذه السياقات، رمز للأنوثة والجمال، حتى أن بعضهن صرن متقبلات لهذه الصورة النمطية التي تختزلهن في الجسد.
وقد حاول هذا الشريط الوثائقي في مقاربته لموضوع "البلوح" إبراز تعسفية هذا الفعل وتعارضه مع مبدأ حرية المرأة في جسدها، كما حاول تسليط الضوء على المضاعفات الصحية والنفسية لهذه الظاهرة، من خلال الاستعانة بشهادة متخصصين في الطب.
من جهته أكد مخرج الفيلم محمد مروان كمال، أن عمله هذا يروم تسليط الضوء على الصورة النمطية للجسد الأنثوي، في محاولة لتصحيح بعض السلوكيات والتمثلات الاجتماعية والثقافية حول المرأة تماشيا مع مبدأ الحرية الذي يؤطر العلاقات الإنسانية في بعدها الكوني.
أخذ فيلم " رجال الصحراء على خطى مربي الإبل في الصحراء"، لمخرجيه "حكيم الهشومي ولارس برثيل" جمهور مهرجان العيون للفيلم الوثائقي في رحلة شيقة لاستكشاف عالم تربية الإبل والماعز بالصحراء.
الفيلم الذي تصل مدته " 52 دقيقة"، تتمحور قصته حول البدو الرحل بالصحراء الذين يتخذون من تربية الإبل والماعز مصدرا للعيش، وفي الوقت ذاته نمطا للحياة يتميز بقيم الرفق والرعاية بالحيوان متحدين أثناء تنقلهم صعوبات المناخ والتضاريس، مضحين براحتهم للسهر على تأمين سلامة القطيع من الضياع خلال فترة الليل.
رحلة البدو في صحراء قاحلة وتحت شمس حارقة شدت انتباه الحاضرين، خاصة وأن النهاية لم تكن متوقعة، فبعد أن عانوا طيلة فترات التنقل بين الكثبان الرملية الكثيفة من قلة الماء الشيء الذي أفقدهم عددا لا يستهان به من رؤوس الإبل والأغنام، نجحوا في نهاية الرحلة في الحفاظ على ما تبقى من الماشية وتوفير الماء والكلأ لها.
عزالدين كريران، مدير مهرجان السينما الإفريقية بخريبكة الذي حضر عرض الوثائقي " رجال الصحراء على خطى مربي الإبل في الصحراء"، قال إن " الفيلم يمتاز بنص ذو بنية فنية متكاملة وخطاب سينمائي محبوك ...كما أن التصوير كان مهنيا من خلال تنويع المشاهد واللقطات" كما أن" عملية التوضيب تمت باحترافية عالية ".
وقد نال الفيلم إعجاب الحاضرين من جمهور وسينمائيين ونقاد، الذين أشادوا بقوة النص وجمالية الصورة، كما أن القصة بحسبهم كانت شيقة تجعل المتلقي يتطلع لمعرفة التفاصيل مشهدا بعد أخر.
عرفت قاعة العروض في قصر المؤتمرات بالعيون، عرض فيلم "في رحاب الفاضلية" للمخرج محمد فاضل الشيخ ماء العينين، وذلك في إطار النسخة السادسة من مهرجان العيون للفيلم الوثائقي حول الثقافة والتاريخ والمجال الصحراوي الحساني.
يتناول هذا الفيلم الوثائقي حياة الشيخ ماء العينين، كأحد رجال الصوفية الذين زهدوا في الحياة وحملوا رسالة الفكر والعلم واتخذوا الورع والعفاف والكرم سبيلا للتقرب من الله عز وجل. ويتتبع هذا العمل السينمائي، نشأة الشيخ ماء العينين بدء من بلاد شنقيط، موريتانيا حاليا، حيث أقام والده الشيخ محمد فاضل، مرورا بمختلف المحطات التي مر منها ماء العينين في طريقه إلى نشر تعاليم الدين الإسلامي وتكوين الطلبة وحفظة القرآن.
هذا ويعد الشيخ ماء العينين، أحد أعلام العلم والمعرفة وأحد رموز المقاومة في الأقاليم الجنوبية ضد الاستعمار الأجنبي ومدافعا شرسا على الوحدة الترابية للوطن، إذ يعتبر أحد علماء الصحراء الذين تركوا بصماتهم العلمية والفكرية في عدد من الدول الإفريقية، بدء من المغرب، وصولا إلى أقصى الشمال المالي، كما خلف ماء العينين، تراثا صوفيا وفكريا مهما تجلى في العديد من الكتب والمؤلفات التي تهتم بالعلوم الشرعية وعلوم الفقه والتفسير.
وقد أثنى الجمهور الذي حضر بأعداد مهمة إلى قاعة العروض لمشاهدة هذا الشريط الوثائقي، على عمل المخرج محمد فاضل الشيخ ماء العينين، حيث أجمعت المداخلات التي تلت مناقشة الفيلم، على ضرورة عرض هذا العمل الوثائقي في المدارس والمؤسسات التعليمية في الأقاليم الجنوبية، ليرسخ في أذهان الأجيال الصاعدة، مسيرة الشيخ ماء العينين باعتباره أحد رموز المقاومة ورجالات الدين في الأقاليم الجنوبية للمملكة وفي المغرب قاطبة.
من جهته، قال مخرج الفيلم، محمد فاضل الشيخ ماء العينين، أن عمله هذا هو جزء فقط من سلسة أشرطة وثائقية تتناول حياة الشيخ ماء العينين ابن الشيخ محمد فاضل رائد الطريقة الفاضلية، مؤكدا أنه وفريق عمله، سافروا عبر رحلة طويلة من المغرب إلى مالي مرورا بموريتانيا، من أجل جمع الشهادات التي تؤرخ لحياة الشيخ وتكوينه ودراسته، شاكرا الجمهور على الانطباعات الإيجابية التي عبر عنها أثناء مناقشة الفيلم.
شهد اليوم الخامس من مهرجان الفيلم الوثائقي بالعيون، الجمعة 23 دجنبر 2022 عرض وثائقي " كنكا وجع الفراق"، لمخرجه المصطفى فاكر، وهو الفيلم الذي سبر أغوار تاريخ هذا الفن العريق الذي تشتهر به مدينة "كلميم".
الشريط يحكي قصة محمد "تيسينت" الذي عاد للغناء بعد توقف دام لسنوات بسبب المرض وتقاعد زملاءه القدامى بعد تقدمهم في السن. تيسنت بالرغم من تدهور حالته الصحية قرر النزول لأحياء كلميم وجمع فرقة جديدة من طبالي "الكنكا"، لإحياء هذا الفن وكذا إعطاء مشعل قيادته لشباب المنطقة. وهو ما سيظهر في تراتبية أحداث الفيلم، إذ جسدت اللقطة الأخيرة بشكل كبير هذه الفكرة حيث ظهر فيها شاب يغني فن الكنكا بجانب الشيخ تيسينت. الفيلم سعى كذلك إلى إبراز المناظر الطبيعية التي يزخر بها إقليم واد نون، وكذا مؤهلات شبابه الذين أبانوا عن كفاءة ومهنية عاليتين من خلال مشاركتهم في تجسيد أدوار الفيلم.
مخرج الفيلم المصطفى فاكر قال أن هذا العمل لم يكن ليرى النور "لولا الدعم المعنوي والمادي الذي تلقيته من المركز السينمائي المغربي"، مضيفا أن " الفيلم يعتبر دعوة ملحة للعناية بفن " الكنكا" الذي يعد موروثا غنائيا عريقا بمنطقة وادي نون الصحراء". وأردف قائلا إن " الدورة الحالية من المهرجان تعرف ديناميكية كبيرة وحضورا شبابيا كثيفا، وهو ما يجب التنويه به وتشجيعه في الدورات المقبلة".
بعد عرض فيلمه "الملواح" في إطار المسابقة الرسمية للدورة السادسة لمهرجان العيون للفيلم الوثائقي حول الثقافة والتاريخ والمجال الصحراوي الحساني، أكد المخرج يوسف آيت منصور، أن السينما هي الحكاية. وأضاف المخرج، في حوار أجريناه معه بمناسبة عرض فيلمه، أن كل الأدوات والآليات التي تحتاجها الصناعة السينمائية يجب أن تُسخر لخدمة عنصر الحكي السينمائي من أجل إثارة مشاعر الجمهور وفضوله المعرفي.
وهذا نص الحوار كاملا:
لكل عشق نقطة بداية ولكل فنان مسار، ما هي نقطة بداية مساركم وعشقكم للمجال الفني ؟
بداياتي الأولى مع المجال الفني كانت خلال فترة الدراسة الثانوية سنة 1984، حينها كانت المؤسسات التعليمية تقيم احتفالات سنوية بمناسبة عيد العرش، فقررت رفقة مجموعة من الزملاء أن نشارك في الحفل الذي نظمته ثانويتنا بمسرحية لاقت حينها إعجاب الأساتذة والحضور، وأثنوا على أدائي المسرحي. بعدها اكتشفت أن المسرح هو المجال الذي أستطيع فيه تحقيق ذاتي والمهنة التي سأتخذها لنفسي. وبعد حصولي على شهادة الباكالوريا التحقت بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالرباط سنة 1989 بشعبة التشخيص، حيث كان بحث تخرجي من المعهد حول موضوع الإخراج المسرحي. من تم أصبحت أميل إلى الإخراج باعتباره الشعبة التي تناسب شخصيتي أكثر من التشخيص المسرحي، وبعد تخرجي سنة 1992، انطلقت مسيرتي الفنية في الإخراج وفي التمثيل التلفزيوني وراكمت مجموعة من الإنجازات الفنية، وشاركت في أول مسلسل تلفزيوني "الثمن" رفقة ممثلي فرقة المسرح الوطني، ثم شاركت في أعمال تلفزيونية ودرامية أخرى ولو بشكل منقطع.
ما هي السينما بالنسبة لكم ؟
السينما هي الحكاية، فكل الأدوات والآليات التي تحتاجها الصناعة السينمائية تجب أن تكون في خدمة عنصر الحكي السينمائي، وأنا شخصيا قضيت سنوات من التكوين الأكاديمي والبحث والقراءة لأفهم كيف تُحكى القصة السينمائية. فبعد مسيرتي في الإخراج المسرحي والتمثيل التلفزيوني التحقت بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش، حيث حصلت على الإجازة المهنية في الدراسات السينمائية، لألتحق بعدها بالمدرسة العليا للفنون البصرية حيث حصلت على شهادة الماستر في الإخراج والكتابة السينمائية. وخلال كل هذا المسار كنت أحاول أن أفهم خصائص الحكي السينمائي، وكيف أستطيع من خلاله إثارة مشاعر المشاهد وفضوله المعرفي وأن أنقل إليه تجارب وعبر من خلال لغة الحكي السينمائي.
تشاركون في الدورة السادسة لمهرجان العيون للفيلم الوثائقي حول الثقافة والتاريخ والمجال الصحراوي بفيلم "الملواح"، كيف كان شعوركم بعد عرض الفيلم أمام جمهور مدينة العيون؟
شعرت بسعادة عارمة بعد العرض، من جهة لأن الفيلم يعرض في الصحراء المغربية مع ما لهذه الأرض من رمزية في تاريخ وثقافة بلدنا، ومن جهة أخرى، لأن انطباعات الجمهور أثناء مناقشة الفيلم كانت في مجملها إيجابية، إضافة إلى حضور مجموعة من أطفال المدارس لمشاهدة هذا العمل الذي يتحدث عن التمدرس والطفولة، هذا الحضور، جعلني أشعر بالفخر والاعتزاز لأن هذا العمل حقق الهدف المرجو منه، وهو توعية الأطفال والأسر بأهمية التعليم والتمدرس في بناء الذات والمجتمع.
وبما أنك تتحدث عن التعليم والتمدرس كموضوع يعالجه فيلم "الملواح"، هل اختيار هذا الموضوع كان إيمانا منكم بأهمية تناول هذه القضية أم كان مجرد صدفة؟
اختيار هذه التيمة لم يكن صدفة، بل كان إيمانا مني بالدور الاجتماعي والاقتصادي للتمدرس، فهو مصعدا اجتماعي والطريق الأمثل لتحسين الواقع وتحقيق الأحلام والأماني، كما أنني انطلقت في معالجة هذا الموضوع من تجربتي الشخصية، فلولا التعليم الذي تلقيته والتكوين والتجارب التي مررت منها، ما كنت لأكون هنا اليوم.
بعيدا عن فيلمك، ما هي الأفلام الوثائقية الأخرى التي لاقت استحسانكم كمخرج، خلال هذا المهرجان؟
هناك مجموعة من الأفلام التي شاهدتها، ووجدتها تتضمن المواصفات التقنية والفنية المتعارف عليها في الفيلم الوثائقي، لكن وبكل صراحة، أعجبت كثيرا بفيلم "بيت الشعر" للمخرجة مليكة ماء العينين، لأنه يتضمن لحظات سينمائية جيدة.
لكن أريد ان أشير هنا إلى ملاحظة أو بالأحرى إلى دعوة للفاعلين في الحقل السينمائي والسمعي البصري، بتخصيص صندوقين للدعم، واحد للأعمال الوثائقية التلفزيونية وآخر للأفلام الوثائقية السينمائية، لأن بعض الأعمال التي عرضت خلال هذا المهرجان، هي أعمال تلفزيونية أكثر منها سينمائية، إذ تتضمن مشاهد تمثيلية في إطار ما يسمى الوثائقي الدرامي، وإن تتبعنا تاريخ السينما لن نجد فيه هذا النوع من الأفلام.
في إطار فقرة بانوراما بمهرجان العيون للفيلم الوثائقي حول الثقافة والتاريخ والمجال الصحراوي الحساني، عرض فيلم "صرة الصيف" للمخرج سالم بلال. وقد سبق لهذا الشريط الوثائقي الذي تناول قصة أشخاص اختاروا العيش في الطبيعة الصحراوية بعيدا عن صخب مدينة السمارة، أن حاز على مجموعة من الجوائز في المهرجانات الوطنية والدولية، حيث حصد جائزة أحسن وثائقي بالمهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بنوادا في الهند السنة الماضية، وجائزة الاتحاد الدولي للنقاد "الفيبريسي" بالدورة 23 لمهرجان الاسماعيلية السينمائي الدولى للأفلام التسجيلية والقصيرة بمصر، إضافة إلى جائزة العمل الأول برسم الدورة 27 لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط.
سالم بلال، قال خلال حوار أجريناه معه، أن التحولات التي عرفتها أقاليمنا الجنوبية وعلى كافة المستويات، تحتم مواكبتها سينمائيا والترويج لها عالميا، مؤكدا في الوقت ذاته، أن الإبداع السينمائي هو الشرط الكفيل بإيصال الفيلم الوثائقي الحساني إلى المستويات العالمية.
وفي ما يلي نص الحوار كاملا:
حصد فيلمكم "صرة الصيف" مجموعة من الجوائز في عديد المهرجانات، حدثنا قليلا عن هذا العمل؟
"صرة الصيف" هو فيلمي الوثائقي الأول بعد تجربة طويلة في إخراج الأفلام القصيرة ضمن تجربة "مختبر الصحراء للسينما" الذي انطلق سنة 2015، واشتغلت فيه رفقة مجموعة من خريجي المختبر، وبدأنا في البحث عن مواضيع تتعلق بكيفية تدبير أهل الصحراء لحياتهم في علاقتها بالبيئة الصحراوية التي يعيشون فيها. والحمد لله وبفضل فلسفة "مختبر الصحراء للسينما" الذي يحتضن مجموعة من شباب الأقاليم الجنوبية المهتمين بالسينما، الذين يتلقون تكوينهم على يد أساتذة أجلاء وأخص بالذكر الأستاذ حكيم بعباس والأستاذ دان سميث، استطعنا بإشراف وزارة الشباب والثقافة والتواصل والمركز السينمائي المغربي، أن نُنتج أفلاما وثائقية وأفلاما قصيرة شاركت في مهرجانات وطنية وعالمية حصدت مجموعة من الجوائز والتنويهات.
هذه الديناميكية التي بدأ يعرفها الإنتاج السينمائي في أقاليمنا الجنوبية بدعم من الدولة، أفرزت لنا أفلاما وثائقية في مستوى جيد، استطاعت أن تصل إلى تظاهرات وطنية ودولية وحققت مجموعة من الجوائز، كفيلم "صرة الصيف" وفيلم "لعزيب" لجواد بابيلي وفيلم "سنابك الخيل" للمخرجة مليكة ماء العينين، وهذا أمر مشرف للسينما المغربية.
كيف يمكن جعل الفيلم الوثائقي حول الثقافة والتاريخ والمجال الصحراوي، منافسا قويا وحاصدا للجوائز في المهرجانات الوطنية والدولية؟
في اعتقادي، فالإبداع الفني إضافة إلى حث الشباب وتحفيزهم على إنتاج أفلام وثائقية تنبش في قضايا التنوع الثقافي بالمغرب وفي مواضيع ذات العلاقة بالخصوصية الاجتماعية والثقافية للأقاليم الصحراوية، هو السبيل لإيصال الفيلم الوثائقي حول الثقافة والتاريخ والمجال الصحراوي الحساني إلى العالمية. لأن التحولات التي طرأت على أقاليمنا الجنوبية وفي جميع النواحي، تحتم مواكبتها بالإنتاج السينمائي ليس فقط الوثائقي وإنما الروائي أيضا، من لأجل أن نبرز لكل من لا يعرف المغرب، التنوع الثقافي واللغوي الذي يميز هذا البلد، وقد آن الأوان للتسويق الدولي لهذه المنتجات الفنية.
كما أن المنتجين والمخرجين يجب أن يطلعوا على أساليب التسويق لأفلامهم، فمثلا الورشات التكوينية والندوات التي تعرفها دورة هذا المهرجان، تصب في هذا الاتجاه وما على المهتمين إلا الحضور لهذه اللقاءات وتبادل الأفكار والخبرات وتعلم تقنيات وأساليب التسويق لأعمالهم الفنية.
ما هي في نظرك، الصعوبات التي توا.جه إنتاج الفيلم الوثائقي المهتم بالثقافة والتاريخ والمجال الصحراوي الحساني؟
أكيد أن أي مبدع في أي مجال من الضروري أن يواجه بعض الصعوبات والعراقيل، لكن من منظوري الخاص، أعتقد أن أكبر صعوبة تواجه الإنتاج الوثائقي الحساني هي مشكل الإقبال من طرف الجمهور، حيث يجب أن نعمل على تحبيب الساكنة الجنوبية في الجانب السينمائي الثقافي، والانفتاح أيضا على الفيلم الروائي كما سبق وأن قلت.
هل ضعف إقبال الجمهور على الفيلم الوثائقي، راجع إلى جودة هذه الأفلام أم إلى شيء آخر غير ذلك؟
في الحقيقة فإن الفيلم الوثائقي يعاني من ضعف الإقبال ليست فقط على المستوى المحلي والوطني، بل على المستوى الدولي أيضا، لكن دعني أقول، بأن الفيلم الوثائقي المهتم بالثقافة والتاريخ والمجال الصحراوي الحساني، عندما يكون جيدا وتتوفر فيه عناصر الجودة التقنية والفنية، فإنه يلقى بالتأكيد صدى لدى الجمهور من المغرب وخارجه، وأكبر دليل على ذلك، هذه الأفلام الذي ذكرتها قبل قليل والتي شاركت في مهرجانات دولية وحصدت جوائز عالمية، وبالتالي أكرر بأن شرط الإبداع السينمائي هو الكفيل بإيصال الفيلم الحساني إلى أبعد المستويات، لأن هذا النوع السينمائي يساهم في الترويج لصورة المغرب الثقافية المتعددة الروافد، فمثلما نجحت الرياضة في التعريف بالمغرب على المستوى العالمي، يجب أن يكون الفيلم الوثائقي عموما والفيلم الوثائقي الحساني على وجه الخصوص حاملا لصورة المغرب ومروجا لها على الساحة الفنية العالمية.
بقصر المؤتمرات بمدينة العيون تم عرض وثائقي "الناهة" لمخرجه أحمد بوشلكه، وهو العمل الذي احتفى بتراث غنائي فريد بالمنطقة هو الشعر الحساني، ضمن برنامج الأفلام المتنافسة بمهرجان الفيلم الوثائقي في نسخته السادسة.
الشاعرة "الناهة" والتي استوحي عنوان الفيلم من اسمها، سعت جاهدة للحفاظ على هذا الموروث الغنائي التقليدي (الشعر)، وذلك بالتنقل إلى مدن طنطان وكلميم والعيون وغيرها من مدن الصحراء لجمع "الأشوار" وهي مقاطع شعرية نادرة قديمة.
خلال رحلتها الشيقة ستلتقي "الناهة" بعدد من الشعراء الكبار أمثال لخليفة بوراس، حيث ستتلقى الناهة عددا كبيرا من التهاني والإشادات على الجهود التي تبذلها من أجل صيانة الذاكرة الغنائية الصحراوية الحسانية.
لم تجد "الناهة" أي صعوبات في ولوج عالم الشعراء حيث يطغى العنصر الذكوري، بل وجدت ترحيبا وتشجيعا كبيرين ودعما معنويا غير مسبوق كونها تشكل جيلا شعريا صاعدا يعول عليه لحمل مشعل التراث الغنائي الحساني.
في هذا الصدد يقول المخرج عبد الإله الجوهري الذي حضر للعرض، إن " فيلم "المبدع" بوشلكه يتميز أساسا بمحاولة صون الذاكرة الشفهية للأقاليم الجنوبية من خلال استعراض تجربة شاعرة شابة وهي "الناهة" التي جرتها ملكتها في كتابة الأشعار إلى مهمة تجميع "الأشوار" القديمة وحفظها من التلف والنسيان.
وأكد الجوهري، أن "الفيلم نجح أيضا في الجانب التقني عبر توظيف لقطات متنوعة، فضلا عن توفقه في خلق تناسق بين الصور والموسيقى التصويرية التي شكلت مضمون الوثائقي الذي يتطرق إلى الثقافة الغنائية الحسانية"، مضيفا أن: المشاهد لم يحس بأي رتابة في إلقاء الأشعار بسبب التوظيف السلس للمناظر الطبيعية والموسيقى الغنائية الحسانية.
من جانبها عبرت الممثلة حياة عبي والتي حضرت أيضا لمشاهدة وثائقي "الناهة"، عن سعادتها الكبيرة بمحتوى الفيلم الذي كسر قواعد الصور النمطية للنساء الشاعرات، وجعلها في مقام محترم، مضيفة: أن "التسلسل السردي والتصويري للفيلم يستحق الإشادة، لأنه نجح في تقديم مضمون إبداعي متميز"
أكد الناقد والمخرج السينمائي ورئيس اتحاد المخرجين والمؤلفين المغاربة، عبد الإله الجواهري، خلال مداخلته في الندوة التي عقدت صباح يوم الخميس22 دجنبر 2022، ضمن أنشطة مهرجان الفيلم الوثائقي، تحت عنوان "تسويق وتوزيع الفيلم الوثائقي حول الثقافة والتاريخ والمجال الصحراوي الحساني أنه يجب التعرض لمواضيع غير مستهلكة لتجاوز أزمة التسويق في الفيلم الوثائقي.
الجواهري الذي أطر هذه الندوة، استهل مداخلته بإبراز مكانة الصورة في الثقافة المغربية، حيث أكد أن الصور بطبعها تحمل آلاف المعاني والتأويلات، مستدلا على قوة الصورة وقدرتها على الدفاع عن القضايا التي تهم المجتمع، بعدد من الصور التي استطاعت أن تسلط الضوء على قضايا مهمة وتحرك الرأي العام والجماهير، وتؤثر في مجرى مجموعة من الأحداث على الساحة الوطنية والدولية.
وفي معرض مقارنته بين الفيلمين الوثائقي والروائي، أوضح الجواهري أن العائدات التجارية للفيلم الروائي هي ما يفسر الإقبال على هذا النوع السينمائي مقارنة مع الفيلم الوثائقي، إضافة إلى تعدد المناسبات والفرص المتاحة أمام تسويق الأفلام الروائية والمهرجانات المهتمة بهذا النوع من السينما، مقابل قلة المهرجانات الداعمة للوثائقي بالبلاد.
وأضاف المتدخل، أن الفيلم الوثائقي حول الثقافة والتاريخ والمجال الصحراوي الحساني، يضطلع بأدوار ثقافية هامة إذ يرسخ الهوية المغربية المتعددة الروافد واللهجات، غير أنه أردف قائلا إن عشرات الأفلام الوثائقية حول الثقافة الصحراوية الحسانية، لم تتمكن من اختراق السوق التجارية نتيجة منافسة المنصات الرقمية التي أصبحت تستأثر بنسب مشاهدة عالية مقارنة بالصالات السينمائية ودور العرض. مشيدا في الوقت ذاته، بدعم الدولة من خلال المركز السينمائي المغربي للفيلم الوثائقي، واستثمار القطاعين العام والخاص في الثقافة الوطنية بتعدد روافدها ومكوناتها الهوياتية.
وفي نهاية مداخلته، قدم الجواهري مجموعة من التوصيات لتجاوز أزمة التسويق والتوزيع التي يعيشها الفيلم الوثائقي المغربي، داعيا المخرجين إلى تفادي الخطاب التسويقي. كما دعا المنتجين السينمائيين إلى النبش في القضايا غير المستهلكة وخلق جسور للتواصل بين مختلف الفاعلين السينمائيين وتشبيك العلاقات فيما بينهم من خلال خلق فضاءات للحوار وتبادل الأفكار سواء من خلال المهرجانات الوطنية والجهوية، أو من خلال الندوات الفكرية والورشات المهتمة بالشأن السينمائي.
في اليوم الثالث لمهرجان العيون للفيلم الوثائقي حول الثقافة والتاريخ والمجال الصحراوي، شهدت قاعة العروض بقصر المؤتمرات بالمدينة، عرض الفيلم "رقص الصحراء" للمخرج إبراهيم الإدريسي الحسني، والذي يتابع حياة مجموعة من البدو الذين يعيشون وسط الصحراء، ويترجمون أحاديثهم وأنشطتهم اليومية وتمثلاهم الاجتماعية إلى رقصات وأشعار.
يقدم الفيلم صورا وأصواتا ومواد معرفية عن حياة البدو الصحراويين، وعن ثقافتهم وحياتهم وحاجاتهم التي يعبرون عنها بطقوس ورقصات يتداخل فيها البعد الميثولوجي بالبعد الديني، كطقس "تاغنجا" مثلا، حيث يتجمع الناس للرقص وتلاوة الأشعار طلبا للغيت والمطر من الله.
كما يتخذون من المرأة موضوعا لأشعارهم التي يرقصون على نغماتها، سواء المرأة العازبة أو المتزوجة، إذ ترافق تقاليد الزواج والفرح عندهم، رقصات وأنظام تتغنى بالمرأة الصحراوية وبجمالها، إضافة إلى العادات والتقاليد المرافقة لهذه الطقوس الاحتفالية، والتي تعد جزءا من الموروث الثقافي الحساني.
فالبدو يبدعون رقصات تلائم الموضوعات التي تشغل بالهم أو التمثلات التي تؤثث حياتهم الاجتماعية والثقافية، فهم يرقصون من أجل المطر ومن أجل المرأة ومن أجل الأطفال وفي مدح الرسول أيضا.
وفي الموروث الثقافي الحساني القديم، كانوا يرقصون حتى في فترات الحزن والحرب، فإبان الحروب التي كانت تنشأ بين القبائل الصحراوية قديما، ترقص النسوة والرجال فرحا باستشهاد أحد رجال القبيلة، إذ يُخفون حزنهم عليه ويحولونه إلى فرح ورقصات مفتخرة بالمقاتل الذي مات دفاعا عن قبيلته.
من جهته أكد مخرج الفيلم، إبراهيم الإدريسي الحسني، أنه حاول من خلال هذا العمل الإبداعي، تسليط الضوء على الثقافة الحسانية، خاصة ثقافة الرقص، بلغة بصرية وصوتية سلسلة بهدف إيصالها إلى الجمهور المغربي وتعريفه برافد من روافد هويته الثقافية والفنية.